آخر الأخبار

ذاك الحديث - قصة قصيرة

قصة قصيرة بعنوان: طريق النجاح

للكاتب/ زيد بن محمد


في وسط الزحام الكثيف..

في منطقة الجراش ببورسعيد، كانت تقف مدام باكينام وهي تبتسم بابتسامتها العريضة، وتشحذ سجائرها ببراعة أمام الناس الذين يمرون من جانبها، كانت ترتدي فستانًا زهريًا ملونًا بشكل مدهش، يتناسب مع باروكتها القديمة التي طالما فكرت في تغييرها، وكان لون أحمر شفاهها يبرز جمال عينيها الزرقاء.


ذاك الحديث - قصة قصيرة


وبينما كانت تضحك وتدخن سجائرها، كانت تحدّث عائلة كبيرة من القطط التي كانت تجلس حولها..

كل قطة كان لديها اسم خاص بها، وكانت تبدو وكأنها تفهم كلام مدام باكينام وتستجيب له.

وفجأة، ظهرت فتاة صغيرة تقترب من مدام باكينام بابتسامة على وجهها.

قالت لها: "أخبريني عن قصص زمان"، فابتسمت مدام باكينام وبدأت في سرد قصص من حياتها السابقة على طول الشارع المزدحم.

كان يستمع إليها الجميع بإعجاب، فقد كان لديهم جميعًا احترام كبير لشخصية "مدام باكينام".

وكانت القصة الأبرز حين تحدثت عن ماضيها قبل 55 عامًا عندما كانت تنعم بحياة هنيئة قبل أن يموت والداها ويتدهور حالها..!

إلى أن تنتهي من تلك القصة التي طالما قصتها تذكرت الماضي..


تقول لها الفتاة صاحبة ال 13 عامًا: وما عمرك لتقولي قبل 55 عامًا؟!

تقول مدام باكينام: 70 عامًا يا صغيرتي.. كنت أدرس الفرنسية عندما كنت صغيرة وأتقنها جيدًا إلى الآن..

تقول الفتاة: أنا أعيش في الشارع.. توفي والداي منذ عامين ولا أعرف أحدًا هنا، فقبل وفاتهم ببضع سنين انتقلنا للعيش هنا ولا أعرف أي مدينة كنا نسكن.!

تقول المدام باكينام: أنا أيضًا أعيش في زقاق هنا أو هناك لا أتذكر مكانه تحديدًا، فحينما ينتهي يومي في الثالثة فجرًا أعود وأبحث هنا وهناك عن ذلك الزقاق المنسق الذي يحتوي على باب من الخشب وبداخله خزانة للملابس وسرير، قد وفر لي كل هذا أحد الرجال الأغنياء الذي عرفني بينما كنت أجلس أمام محطة الطاقة، وعندما سألني عن حالي وقصصت له ما حدث اقترح علي أن أعيش في غرفة فوق سطح بيته لكنني رفضت هذا لأنني أحببت الشارع والقطط التي لا غنى عنها بالنسبة لي.. فهي التي تسلّي يومي، وعندما أخبرته أنني سأكون سعيدة لو وفر لي بعض الأشياء البسيطة في أي زقاق، وأن يصنع لي باب خشبي وافق بدون تردد.

تقول الفتاة لمدام باكينام: وهل لديكِ مانع إن عشتُ معكِ؟! لقد سئمت من المبيت هنا وهناك في كل ليلة..

وافقت السيدة على طلب الصغيرة، وسألتها: هل تعملين، قالت: لا، قالت المدام: أوافق بشرط أن تعملي ونساعد بعضنا البعض، وافقت الفتاة، ثم سألتها مدام باكينام: لم تخبريني ما اسمك؟ قالت: مرام، وأنتِ؟ قالت: ناديني باسمي فقط.. اسمي باكينام..

تمر الأيام..

وتجد مرام عملًا مناسبًا قد وفر لها العمل ذاك الرجل نفسه الذي وفر لمدام باكينام الخزانة والسرير، وهذا لطلب المدام نفسها من الرجل بالبحث عن عمل للفتاة بعدما سئمت هي الأخرى من البحث دون جدوى.. تعمل مرام في الكافيه الخاص بالمحطة تساعد الفتاة ذو العشرين عامًا في العمل هناك ولا شيء آخر، فقط عمل بسيط مع أجر رمزي..

وتمر الأيام والأيام وتتعلق مرام بمدام باكينام كثيرًا إلى أن يأتي اليوم المشؤوم.. نعم، ذلك اليوم المشؤوم، عندما ذهبت مدام باكينام كعادتها تجلس على ناصية الطريق، وتترك مرام لحين تستيقظ وحدها قبيل صلاة الظهر، وتذهب للعمل بعد الظهر مباشرةً، لكن مرام لم تذهب للعمل طوال اليوم؛ لأنها لم تستطع القيام من على السرير، وحينما عادت باكينام ورأت مرام خرجت مسرعةً لمناداة الطبيب من الصيدلية المجاورة لهم، وعندما رأى مرام قال أنها مرهقة قليلًا، يبدو أنها تعمل كثيرًا، تحتاج للقليل من الراحة وستعود أفضل مما كان، لكن حدث ما لم يتوقع يزداد مرض مرام يومًا بعد يوم ومدام باكينام تجاورها ولا تستطيع المغادرة وتركها وحدها.. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي استيقظت فيه مدام باكينام على صوت صراخ مرام من الألم في جميع أنحاء جسدها...


تذهب بها مسرعةً للمشفى وهناك يدخل الطبيب مرام التي تباطئت أنفاسها للحالات الطارئة، وقبل أن يضعها على السرير المخصص تنقطع أنفاسها تمامًا في تعجب من الأطباء؛ هذا ولأنها لم تكن مريضة بأي مرض مذمنٍ كان أو لا حينما تسمع مدام باكينام الخبر تدخل مسرعةً للغرفة وتحتضن مرام بشدة وهي تبكي.

ثم ماذا؟ عادت حياتها كما كانت لكن بذكريات مؤلمة أكثر مما كانت..

تعود أيامها كما كانت بجوار القطط وبين الحين والآخر تزور تلك التربة التي دفنت تحتها مرام وهي تبكي بشدة، والتي قد ميزتها بحجر كبير يجاورها، وطالما كانت تحكي عن مرام لتلك القطط التي تجاورها دائمًا، غير مبالية بهل تفهمها القطط أم لا.. المهم أنها تحكي فقط.!



أحمد الأصلي
أحمد الأصلي
أحمد الأصلي: رائد أعمال وخبير تربوي. رئيس مجلس إدارة موقع سبأ نيوز. مؤسس أكاديمية التدريس. مؤلف كتاب "درب المعلم المثالي". محاضر دورة التدريس أونلاين ودورة التعلم المثمر، ومنشئ محتوى علمي، وله عدة مقالات في المجال التربوي تم نشرها في الجرائد والمجلات المصرية. وهو أيضا مؤسس ومدير مؤسسة "مُسْلِمُونْ" لتنمية الوعي الديني والشرعي للمسلم والتوعية بتعاليم الإسلام لغير المسلم. حاصل على بكالوريوس في العلوم والتربية من كلية التربية جامعة الأزهر بنين بالقاهرة.
تعليقات