متابعة: آيات مصطفى
في تصريح أثار جدلاً واسعًا على الساحة المحلية، قال رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي إن "هجرة عدد من الأطباء والكوادر الأخرى ليست عيبًا، بل هي مصدر للعملة الصعبة للدولة".
وهذه الكلمات تفتح بابًا واسعًا للنقاش حول ملف الهجرة المهنية، خصوصًا في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم، بين من يراها فرصة وطنية ومن يعتبرها نزيفًا للخبرات.
هجرة العقول: واقع لا يمكن تجاهله
لا يمكن إنكار أن هناك تزايدًا ملحوظًا في أعداد الأطباء والمهنيين ذوي الكفاءة الذين يقررون مغادرة البلاد بحثًا عن فرص أفضل في الخارج. هذه الظاهرة، المعروفة بـ"هجرة العقول"، ليست جديدة، لكنها أخذت طابعًا متسارعًا في السنوات الأخيرة، مدفوعة بعوامل اقتصادية، إدارية، وأحيانًا اجتماعية.
تصريح حكومي... منظور اقتصادي بحت؟
حديث رئيس مجلس الوزراء يعكس وجهة نظر اقتصادية ترى أن تصدير الكفاءات، مثل تصدير السلع، يمكن أن يعود بالنفع المالي على الدولة من خلال التحويلات النقدية التي يرسلها المغتربون إلى ذويهم. ووفقًا للبنك المركزي، تشكّل تحويلات العاملين في الخارج أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي.
لكن، هل يمكن اختزال الكوادر العلمية والطبية إلى مصدر عملة صعبة فقط؟
الجانب الصحي: من يسد الفراغ؟
الهجرة الكثيفة للأطباء تضع النظام الصحي في مأزق، خاصة في المناطق الريفية والنائية التي تعاني بالفعل من نقص الكوادر.
ووفق تقارير رسمية، فإن نسبة الأطباء المتواجدين فعليًا داخل البلاد مقارنة بالمقيدين في سجلات النقابة لا تتجاوز 40%.
هذا الفراغ يخلق فجوة خطيرة في الخدمات الصحية، ويؤثر مباشرة على جودة الرعاية المقدمة للمواطنين، خصوصًا في التخصصات النادرة.
الكوادر المهاجرة: بين الطموح وخدمة الوطن
الكثير من الأطباء والعلماء لا يهاجرون طمعًا في المال فقط، بل بحثًا عن بيئة علمية ومهنية محفزة، وفرص لتطوير الذات.
وغالبًا ما يعبّر هؤلاء عن رغبتهم في العودة إذا توفرت لهم الظروف الملائمة، كرواتب عادلة، احترام للمهنة، وتقدير مجتمعي.
هل من استراتيجية للاستفادة من العقول في الخارج؟
بدلاً من الاكتفاء بالنظر إليهم كمصدر للعملة الصعبة، يمكن للدولة أن تضع سياسة واضحة لربط المهاجرين بوطنهم، من خلال:
برامج شراكة علمية وبحثية.
تسهيل العودة المؤقتة لنقل الخبرات.
إنشاء شبكة رسمية للعقول المصرية بالخارج.
دعم مشاريعهم الاستثمارية والعلمية في الداخل.
خلاصة القول.. بين الواقع والطموح
تصريح رئيس الوزراء يعكس واقعية اقتصادية، لكنه يغفل البعد الإنساني والمجتمعي، فضلًا عن تأثيرات الهجرة على القطاعات الحيوية داخل البلاد.
الهجرة ليست عيبًا، لكنها تصبح خسارة عندما لا تكون هناك رؤية لاستثمارها بشكل ذكي يعوّض الداخل عن غياب الكفاءات.
السؤال الحقيقي ليس إن كانت الهجرة عيبًا، بل: هل نجحنا في خلق بيئة تجعل هذه العقول تفكر في العودة؟