كتبت: آيات مصطفى
منذ أن ذكرها الفيلسوف اليوناني أفلاطون قبل أكثر من ألفي عام، لا تزال مدينة أطلانتس تثير الخيال والجدل. وصفها بأنها مدينة عظيمة، متقدمة علميًا وروحيًا، ثم غرقت فجأة في يوم واحد بسبب "غضب من الله".
لكن السؤال الذي يطرق عقول الباحثين والروحانيين هو:
هل كانت أطلانتس مجرد خيال فلسفي، أم أنها حضارة حقيقية طُمِست لأسباب كونية وربانية؟ وهل يمكن أن نجد إشارات لمثل هذه الحضارة في القرآن الكريم؟
أشهر التفسيرات حول أطلانتس
1. التفسير الرمزي (أفلاطوني)
يرى هذا التفسير أن أفلاطون لم يقصد أن أطلانتس كانت موجودة فعليًا، بل استخدمها كرمز لفكرة فلسفية عن عواقب الطغيان والغرور البشري، لتكون عبرة لكل حضارة تتجاوز حدودها الأخلاقية.
2. التفسير التاريخي
يقترح باحثون أن أطلانتس ربما كانت حضارة المينويين في جزيرة كريت، التي دُمّرت بفعل ثوران بركاني هائل في جزيرة سانتوريني عام 1600 ق.م.
هذا الحدث أدى إلى زلازل وتسونامي ضخم قد يكون مصدر قصة "الدمار المفاجئ".
3. التفسير الجغرافي
بعض النظريات تربط بين أطلانتس ومناطق جغرافية حقيقية:
جنوب إسبانيا (في دلتا نهر غوادالكويفير).
الكاريبي (جزر الباهاما).
حتى قارة أطلانتس المفترضة في المحيط الأطلسي.
4. التفسير الروحي والعلمي الحديث
وفقًا لبعض المفكرين المعاصرين، أطلانتس كانت حضارة متقدمة روحانيًا وعلميًا، وقد دُمّرت بسبب انحرافها عن القيم العليا، أو تلاعبها بقوى الطبيعة بشكل غير متزن. ويرى البعض أنها تركت آثارًا باطنية في الوعي الجمعي للبشرية.
ولكن هل يشير القرآن إلى حضارات مثل أطلانتس؟
لم يُذكر اسم "أطلانتس" في القرآن، بطبيعة الحال، لكن هناك إشارات إلى أمم عظمى طغت ثم دُمّرت، وهو ما يتناغم مع قصة أطلانتس.
ومن هذه الآيات:
1. قوم عاد:
"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ"
(الفجر: 6-8)
وصفهم بأنهم عمالقة، بُنيانهم شاهق، لم يُرَ مثلهم في العالم، ثم أهلكهم الله بسبب طغيانهم. يربط بعض الباحثين بين هذا الوصف وبين فكرة حضارة متقدمة وغنية كأطلانتس.
2. فرعون وملكه:
"كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ"
(الدخان: 25-28)
تصف هذه الآيات حضارة مزدهرة فقدت فجأة بسبب الجحود والكفر، وهو مشهد يتقاطع بعمق مع مصير أطلانتس الأسطوري.
3. سنة الله في الطغاة:
"فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ، فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا، وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ، وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ، وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا..."
(العنكبوت: 40)
الآية تشير إلى أنواع العقاب التي أُنزِلت بحضارات مختلفة، منها الغرق. وهو ما يجعل البعض يتأمل: هل يمكن أن تكون أطلانتس واحدة من تلك القصص، وإن لم تُذكر بالاسم؟
ما وراء الموج والغموض
سواء كانت أطلانتس حقيقةً مفقودة أو رمزًا فلسفيًا، فإنها تبقى تذكرة رائعة بأن الطغيان والغرور مصيرهما الزوال، وبأن الحضارات مهما بلغت، فإنها لا تبقى إن لم تتوازن بين العلم، والروح، والقيم.
وفي ضوء القرآن، نجد أن الرسالة واحدة عبر العصور:
من يطغَ، يُهلك. ومن يعقل، يُنجَ.
ولعل أطلانتس، مهما كانت، ما هي إلا مرآة لما يمكن أن يحدث عندما ننسى هذه القاعدة الكونية.
المراجع:
Plato, Timaeus and Critias
National Geographic, Atlantis Myth
د. زغلول النجار – الإعجاز العلمي في القرآن
تفسير ابن كثير، سورة الفجر والعنكبوت
Graham Hancock, Fingerprints of the Gods